ازاي ممكن ذاكرتك تخدعك ؟؟ في اوائل التمانينات، الشاب اللي في الصورة "ستيف تيتوس" ده كان مخطط لمستقبله كويس اوي، بوادر النجاح بدأت تظهر عليه، شاب وسيم عنده ٣١ سنة، اترقى في الشغل وبقا مدير مطاعم مشهورة في واشنطن، خاطب عن حب وفرحه كان في خلال ايام، وشاري عربية زرقا بالقسط وبيت لطيف، والدنيا وردي جدا. لحد ما في يوم قرر يعزم خطيبته على عشاء رومانسي في واشنطن، اخدها وقعدوا سوا في مطعم وشربوا وحبوا بعض وخلصوا السهرة، وفتحلها باب العربية من ناحيتها بكل جنتلة في الدنيا ولف عشان يركب العربية، ولسة بيدوّر لقى ان فيه ظابط بيقرب عليه وبيوقفه، وبيبدأ يسأله هو منين وبيعمل ايه هنا، ثم بكل فجاجة بيطلب منه يركب عربية البوليس وبيتحفظ على عربيته، طب انا عملت ايه؟ هتعرف في القسم. تاني يوم، لقى نفسه واقف في طابور عرض وسط شوية مجرمين، قدام بنت مراهقة عندها ١٧ سنة، والبنت بتتفرج عالمجرمين اللي ستيف واقف بينهم مش فاهم حاجة، لحد ما بتشاور عليه وبتقول "مش متأكدة بس دا اقرب واحد في الشكل" ، وكل ده ستيف ميعرفش هوا فيه ايه. ستيف لقى نفسه معروض في المحكمة، وفيه قضية، والقضية بتتهمه بأنه استدرج البنت ال١٧ سنة دي في عربيته الزرقا اللي كراسيها كانت عليها فرش، وهوا لابس بدلة لبني، لحتة مقطوعة وبيطلع سكينة وبيبدأ يغتصبها ويهرب، وطبعا المجني عليها شكت انه ممكن يكون هو او انه شبة اللي عمل فيها كدة بس هيا مش متأكدة ابدا او فيه اختلافات كتير بينهم. هنا ستيف فهم المصيبة اللي اتحط فيها، وجت محامية وبدأ يدافع عن نفسه انه مكنش في مكان الجريمة وقت حدوثها وانه كان بيكلم صاحبه في التليفون طول فترة الجريمة وان فيه شهود شافوه بعيد عن المكان قاعد في كافية وان العربية بتاعته نفس اللون بتاع عربية الجريمة الموصوفة لكن نوع مختلف وانه اصلا معندوش بدل لبني، ويبدو الامر وكأنه اشتباه بالخطأ وخلاص هيخرج براءة، بس نسمع تاني من المجني عليها. المجني عليها قربت من مكان الاستجواب، وبصت لستيف بصة طويلة كدة وفجأة وبكل خوف صرخت وقالت "هو .. هو اللي عملها، انا متأكدة مليون في المية" . الدنيا اتقلبت، كلام المجني عليها اتغير، فجأة بقت متأكدة انه هو اللي عمل كدة من غير لحظة شك واحدة، محدش فاهم ايه اللي خلاها متأكدة يمكن افتكرت تفاصيل ولا حاجة، لكن اعترافها للاسف اثبت الجريمة على ستيف، وكل الشواهد اللي قالها دي مفادتش بحاجة، وفجأة لقى ستيف نفسه محكوم عليه ب٣ سنين اجباري، و٢٠ سنة مدى الحياة جوا السجن. مش بس كدة، ستيف خطيبته حب عمره سابته وصدقت انه عمل كدة، اهله اتخلوا عنه، صاحب الشغل رفده، فلوسه كلها خلصت عالمحامية، الناس كلها صدقت انه مغتصب وخافت منه حتى المحامية اتخلت عنه، وخلاص مبقاش قدامه غير انه ينفذ الحكم. ستيف مفقدش الامل، وهوا جوا السجن كان متأكد من براءته واتواصل مع محامي تاني اللي بدوره كلف صحفي شاطر اسمه بول هندرسون يدعبس ورا القصة اللي جاب اولها من اخرها ومشي ورا ورقة ورقة وحرف حرف لحد ما قدر يوصل لمرتكب الجريمة الحقيقي، اللي طلع قاتل متسلسل اسمه "ادوارد لي كينج" ، واخد الادلة الجديدة واخد دكتورة نفسية وراحوا للمحكمة عشان يطلبوا منها انهم يفتحوا القضية تاني. القضية اتفتحت، وادوارد اتقبض عليه واعترف بالجريمة، وخرج ستيف براءة بعد ما قضى مدة في السجن وخسر كل حاجة، وهوا بريء معملش اي حاجة ولا حتى عاكس بنت في حياته. ستيف خرج من السجن كاره الناس كلها، منعزل، مكتئب، باع كل حاجة يملكها ورهن كل حاجة عشان يقدر يوكل محامي ويرفع قضية على كل اللي باعوه في محنته، خطيبته وصاحب الشغل والمحكمة والمجني عليها والولاية نفسها، لكن للاسف الضغط العصبي اللي اتعرضله ستيف في الفترة دي خلته يتصاب بأزمة قلبية وهوا قاعد يستنف الورق كدة عشان يموت وهوا عنده ٣٥ سنة بس، بسبب جريمة هو معملهاش. على مدار ٢٠ سنة تقريبا، اهل ستيف كملوا القضية، وتم تعويضهم اجمالا بمبلغ ٢ مليون دولار، وتم نشر قصة ستيف في كتاب اخدوا فيه نسبة من الارباح، بجانب ان الصحفي بول هندرسون اللي كشف الجاني الحقيقي فاز بأرفع جائزة صحافية في العالم اللي هيا البوليترز عن مجال الصحافة الاستقصائية، وخلصت قصة ستيف على كدة. طيب نسأل سؤال مهم، ايه اللي خلى المجني عليها تغير كلامها وتتأكد ١٠٠٪ انه هوا اللي عملها؟ هل كدبت؟ لأ، التفسير العلمي للي حصل ده هو اللي العلماء في علم النفس بيسموه "الذاكرة المزيفة Fake memory"، ان عقلك ممكن يخترع قصة انتا معشتهاش وتبقا متأكد انك عشتها ١٠٠٪ بس هيا محصلتش اصلا، والسبب عقلك نفسه. ازاي؟ عقلك ده مش زي الموبايل، مبياخدش الصور والاحداث ويخزنها ويطلعها لما تعوزها بكل دقة وسهولة كدة، الموضوع معقد شوية، لان عقلك ببساطة ممكن نتيجة اخبار مزيفة او مؤثرات خارجية يحصله تشوه بسيط ينتج عنه انه يخترع قصة ويفهمك انها حصلت بجد، وتبقا مصدق كل حرف فيها بس ببساطة هي وهم محصلش. كمثال بسيط بيحصلك في حوار الذاكرة الزائفة ده . انك مثلا تحط ايدك في جيبك متلاقيش المفاتيح، وتبقا واثق وفاكر انك حطتها في جيبك بس مش لاقيها، فا تروح تلاقيها عالمكتب في مكانها، هنا عقلك زيّف موقف انك حطيت المفاتيح في جيبك بناءا على تجربة سابقة "انك دايما بتحط المفاتيح في جيبك" بس ده المرادي محصلش، عمل بقا الحدوتة دي كلها وانتا صدقت، هيا دي الذاكرة الزائفة. عقلك بيحاول يملى فراغات معينة في الذاكرة، زي المفاتيح كدة، انتا معملتش العادة دي في سيناريو يومك المعتاد، فا اداك مشهد وهمي انك عملته، عشان يكمل السكربت، وده اللي حصل مع المجني عليها ضد ستيف، هيا مقدرتش تفتكر اللي عمل فيها كدة وده اقرب وش ليه، فما كان من عقلها الا انه حط وش ده مكان ده، فا بقت واثقة مليون في المية انه هوا اللي عملها، خصوصا لما افتكرت اشد لحظات الاغتصاب وهيا شايفاه في الذاكرة قدامها، بوش ستيف مش ادوارد. عارف بقا لما يكون فيه مؤثر خارجي زي مثلا فيلم تسجيلي او مشهد قديم شفته في الطفولة او خبر كاذب انتشر زي الاشاعة ومتكدبش، شافه مجموعة من الناس مع بعض، فالمجموعة دي اتهيألها انها شافت الحدث ده والحقيقة ان الحدث ده محصلش على الرغم من اجماع عدد كبير من الناس بحدوثه؟ اهو ده بقا اللي بيسموه "تأثير مانديلا". الموضوع مبينتهيش هنا، عقلك ممكن يخدعك في اشخاص كمان، انتا ممكن تكون مقتنع ان فلان صاحبك وانتا متعرفوش، ممكن تعمل زي صحفية اسمها ميريديث باران كانت بتتعالج نفسيا فا اتهمت باباها انه استغلها جنسيا وهي صغيرة وكانت فاكرة كل تفاصيل اعتداؤه عليها، لكن بعد سنين اكتشفت انها تخيلت ده بسبب ان الدكتور النفسي اقترح عليها ده في وسط العلاج وعقلها اخترع الذكرى دي. ممكن كمان يخدعك في حفلة انتا فاكر انك حضرتها ومحصلتش، او شتيمة انتا فاكر انك شتمتها لحد ومحصلش، او جوازة، او صحوبية، او اغنية، او فيلم انتا فاكر انك شوفته ومفيش فيلم اسمه كدة اصلا، زي ما حصل مع ناس كتير انهم تخيلوا ان فيه فيلم سنة ١٩٩٠ اسمه شازام بطولة سينباد كجن، وده محصلش. اخوفك اكتر .. عارف مسلسل ريك اند مورتي؟ كان فيه حلقة بتدور حوالين كائن فضائي بيتكاثر بأنه بيزرع جوا العقل ذكرى حلوة عنه، فا بتكون واثق انك تعرفه وفاكر كل لحظة معاه وكل رحلة رحتوها سوا، بس كانت نقطة ضعفه انه بيزرع ذكريات حلوة بس، وانتا بتكون قاعد وسط عيلتك وصحابك الحقيقيين اللي عارفهم، والكائنات دي، هتفرق بينهم ازاي؟ هتقدر تختار مين فيهم عشان تتأكد انه مزيف وتقتله؟ يعني لو قلنا ان فيه انسان او كائن فضائي مؤذي بس عنده قدرة خارقة او طفرة جينية وقادر انه يزرع جوا مخك ذكرى عنه، فا انتا هتعيش حياتك مقتنع تماما ان ليك صاحب بتموت فيه، صاحب عمرك يعني، وفاكر كل حاجة عشتوها مع بعض والمدرسة والتزويغ ولعب الكورة، والحقيقة هو هيكون مجرد وهم، هتعرف منين الفرق بين الحقيقة والخيال؟ فا انتا متخيل ازاي ممكن تكون عندك ذكرى قديمة انتا متأكد انك عشتها وشفتها وبنيت عليها قصة، ومتكونش حصلت اساسا؟ حاجة ترعب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق